الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.واقعة العرب بالصعيد. وفي أثناء هذه الفتن كثر فساد العرب بالصعيد وعيثهم وانتهبوا الزروع والأموال وتولى كبر ذلك الأحدب وكثرت جموعه فخرج السلطان في العساكر سنة أربع وخمسين ومعه طاز وسار شيخو في المقدمة فهزم العرب واستلحم جموعهم وامتلأت أيدي العساكر بغنائمهم وخلص السلطان من الظهر والسلاح ما لا يعبر عنه وأسر جماعة منهم فقتلوا وهرب الأحدب حتى استأمن بعد رجوع السلطان فأمنه على أن يمتنعوا من ركوب الخيل وحمل السلاح ويقبلوا على الفلاحة والله تعالى أعلم..خلع الصالح وولاية حسن الناصر الثانية. كان شيخو أتابك العساكر قد إرتاب بصاحبه طاز فداخل الأمراء بالثورة بالدولة وتربص بها إلى أن خرج طاز سنة خمس وخمسين إلى البحيرة متصيدا وركب إلى القلعة فخلع الصالح ابن بنت تنكز وقبض عليه وألزمه بيته لثلاث سنين كوامل من دولته وبايع لحسن الناصر أخيه وأعاده إلى كرسيه وقبض على طاز فاستدعاه من البحيرة فبعثه إلى حلب نائبا وعزل أرغون الكاملي فلحق بدمشق حتى تقبض عليه سنة ست وخمسين وسيق إلى الإسكندرية فحبس بها وبلغ الخبر بوفاة الشمسي الأحمدي نائب طرابلس وولى مكانه منجك واستبد شيخو بالدولة وتصرف بالأمر والنهي وولى على مكة عجلان بن رميثة وأفرده بإمارتها وكانت له الولاية والعزل والحلى والعقد سائر أيامه واعتمد الملوك من النواحي شرقا وغربا بالمخاطبات وكان رديفه في حمل الدولة سرغتمش من موالي السلطان والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده بمنه..مهلك شيخو ثم سرغتمش بعده واستبداد السلطان بأمره. لم يزل شيخو مستبدا بالدولة وكافلا للسلطان حتى وثب عليه يوما بعض الموالي بمجلس السلطان في دار العدل في شعبان سنة ثمان وخمسين اعتمده في دخوله من باب الايوان وضربه بالسيف ثلاثا أصاب بها وجهه ورأسه وذراعيه فخر لليدين ودخل السلطان بيته وانفض المجلس واتصلت الهيعة بالعسكر خارج القلعة فاضطربوا واقتحم موالي شيخو القلعة إلى الإيوان بتقدمهم خليل بن قوصون وكان ربيبه لان شيخو تزوج بأمه فاحتمل شيخو إلى منزله وأمر الناصر بقتل المملوك الذي ضربه فقتل ليومه وعاده الناصر من الغد وتوجل من الوثبة أن تكون بأمره وأقام شي خو عليلا إلى أن هلك في ذي القعدة من السنة وهو أول من سمي الأمير الكبير بمصر واستقل سرغتمش رديفه بحمل الدولة وبعث عن طاز فأمسكه بحلب وحبسه بالاسكندرية وولى مكانه الأمير عليا المارداني نقله إليها من دمشق وولى مكانه بدمشق منجك اليوسفي ثم تقبض السلطان على سرغتمش في رمضان سنة تسع وخمسين وعلى جماعة من الأمراء معه مثل مغلطاي الدوادار وطشتمر القامسي الحاجب وطنبغا الماجاري وخليل بن قوصون ومحا السلحدار وغيرهم وركب مواليه وقاتلوا مماليك السلطان في ساحة القلعة صدر نهار ثم انهزموا وقتلوا واعتقل سرغتمش وجماعته المنكوبون بالاسكندرية وقتل بمحبسه لسبعين يوما من اعتقاله وتخطت النكبة إلى شيعته وأصحابه من الأمراء والقضاة والعمال وكان الذي تولى نكبة هؤلاء كلهم بأمر السلطان منكلي بيبقا الشمسي ثم استبد السلطان بملكه واستولى على أمره وقدم مملوكه بيبقا القمري وجعله أمير ألف وأقام في الحجابة الجاي اليوسفي ثم بعثه إلى دمشق نائبا واستقدم منجك نائب دمشق فلما وصل إلى غزة استتر واختفى فولى الناصر مكانه بدمشق الأمير عليا المارداني نقله من حلب وولى على حلب سيف الدين بكتمر المؤمني ثم أدال من علي المارداني في دمشق باستدمر ومن المؤمني في حلب بمندمر الحوراني وأمره السلطان سنة احدى وستين بغزو سيس وفتح أذنة وطرسوس والمصيصة في حصون أخرى وولى عليها ورجع فولاه السلطان نيابة دمشق مكان استدمر وولى على حلب أحمد بن القتمري ثم عثر بدمشق سنة إحدى وستين على منجك بعد أن نال العقاب بسببه جماعة من الناس فلما حضر عفا عنه السلطان وأمده وخيره في النزول حيث شاء من بلاد الشام وأقام السلطان بقية دولته مستبدا على رجال دولته وكان يأنس بالعلماء والقضاة ويجمعهم في بيته متبذلا ويفاوضهم في مسائل العلم ويصلهم ويحسن إليهم ويخالطهم أكثر ممن سواهم إلى أن انقرضت دولته والبقاء لله وحده..ثورة بيبقا ومقتل السلطان حسن وولاية منصور بن المظفر حاجي في كفالة بيبقا. كان بيبقا هذا من موالى السلطان حسن وأعلاهم منزلة عنده وكان يعرف بالخاصكي نسبة إلى خواص السلطان وكان الناصر قد رقاه في مراتب الدولة وولاه الأمارة ثم رفعه إلى الأتابكية وكان لجنوحه إلى الأستبداد كثيرا ما يبوح بشكاية مثل ذلك فأحضره بعض الليالي بين حرمه وصرفه في جملة من الخدمة لبعض مواليه وقادها فأسرها بيبقا في نفسه واستوحش وخرج السلطان سنة اثنتين وستين إلى كوم برى وضرب بها خيامه وأذن للخاصكي في مخيمه قريبا منه ثم نمي عنه خبر الأنتقاض فأجمع القبض عليه واستدعاه فامتنع من الوصول وربما أشعره داعيه بالاسترابة فركب إليه الناصر بنفسه فيمن حضره من مماليكه وخواص أمرائه تاسع جمادى من السنة وبرز إليه بيبقا وقد أنذر به واعتدله فصدقه القتال في ساحة مخيمه وانهزم أصحاب السلطان عنه ومضى إلى القلعة وبيبقا في اتباعه فامتنع الحراس بالقلعة من اخافة طارقة جوف الليل فتسرب في المدينة واختفى في بيت الأمير ابن الأزكشي بالحسينية وركب الأمراء من القاهرة مثل ناصر الدين الحسيني وقشتمر المنصوري وغيرهما لمدافعة بيبقا فلقيهم ببولاق وهزمهم واجتمع ثانية وثالثة وهزمهم وتنكر الناصر مع ايدمر الدوادار يحاولان النجاة إلى الشام واطلع عليهما بعض المماليك فوشى بهما إلى بيبقا فبعث من أحضره فكان آخر العهد به ويقال أنه امتحنه قبل القتل فدله على أموال السلطان وذخائره وذلك لست سنين ونصف من تملكه ثم نصب بيبقا للملك محمد بن المظفر حاجي ولقبه المنصور وقام بكفالته وتدبير دولته وجعل طنبغا الطويل رديفه وولى قشتمر المنصوري نائبا وغشتمر أمير مجلس وموسى الأزكشي أستاذ دار وأفرج عن القاسمي وبعثه نائبا بالكرك وأفرج عن طاز وقد كان عمي فبعثه إلى القدس بسؤاله ثم إلى دمشق ومات بها في السنة بعدها وأقر عجلان في ولاية مكة وولى على عرب الشام جبار بن مهنا وأمسك جماعة من الأمراء فحبسهم والله تعالى أعلم.
|